بالرغم من رحيله إلا أنه مازال يسيطر على مشاعرنا ويحتل أحاسيسنا ويفرض صوته على عواطفنا ، فأغنياته تعبر عن كل حب عشناه وكل جرح داويناه هو عبد الحليم حافظ الذي رحل بجسده ولكن مازالت أغنياته تحيي بينا لذلك بحثا وراء بعضا من هذه الأغنيات لنجد حكايات وحكايات لذلك يرصد هذا الملف عن قرب بعضا من هذه الحكايات من الذين عاصروه
في البداية يؤكد عبد الرحمن الأبنودي أن لديه العديد والعديد من الحكايات والذكريات مع عبد الحليم حافظ حيث كانت تربطهما صداقة عميقة وحميمة، مؤكدا أنه كتب 15 أغنية وطنية لعبد الحليم لدرجة أنه راح يقول للناس أن الأبنودي قدم لي رشوة 3 أغنيات عاطفية لأظل أغني له الأغنيات الوطنية.
ليلة لا تنسي
ويبدأ الابنودي بحكاية أغنية "عدي النهار" التي كتبها للعندليب بعد نكسة 67 قائلا: كانت ليلة لا تنسي ومازلت أتذكرها وارددها دائما فعقب أحداث نكسة 1967 كانت الحسرة تشق الصدور وكنت يومها في شقة عبد الحليم مع كمال الطويل ومجدي العمروسي وبليغ حمدي نستمع بألم وحسرة لكلام عبد الناصر الذي أصابنا بالصدمة عندما أعلن يومها التنحي.
ويضيف: بمجرد سماعنا للخبر لم ننتظر للنهاية بل انفجرنا كلنا في بكاء مرير وأصوات تتمزق حسرة بل أن بليغ حمدي فقد وعيه واخذ يصرخ كمن يسير في جنازة وهو يردد بآسي ولوعة آه يا مصر ويضرب بيديه علي الأرض بينما علق كمال الطويل وهو يضع يديه في جيبه قائلا ايه المسخرة دي، أما عبد الحليم فاخذ يردد بصوت عالي هنعمل ايه يا أخوانا ثم اقترح أن نذهب لعبد الناصر لنقنعه أن يرجع عن قرار تنحيه، وبالفعل نزلنا إلي الشارع متجهين إلي منزل عبد الناصر واذا بنا نفاجأ بأن سيارتنا قد غاصت في بحر من البشر المتدفق من كل مكان تهتف لعبد الناصر ألا يتنحى، ووقفنا بالسيارة لا نستطيع التحرك إلي أن استطاع سائق عبد الحليم أن يخرج بنا من منفذ لنعود منكسرين لا ينظر احدنا للاخر وتفرقنا كل إلي بيته.
بعدها اتصل بي عبد الحليم وقال: ايه يا عبد الرحمن ألا تعرف أننا متهمان بالترويج للنكسة ، هل سنظل صامتين هكذا ؟
أجبت : اسمع يا حليم مصر هزمت وأي أغنية تخرج للناس الآن دون أن تعترف بالهزيمة سوف تثير سخرية الأمة العربية كلها. قال : عاملي مناضل تدخل السجن وتخرج من السجن وحين احتاج إلي نضالك تهرب اكتب يا أخي وبعدين نناضل .
ساعتها أخرجت له من جيبي "عدي النهار" فصمت بعمق ثم اتصل ببليغ حمدي وطلب منه أن يأتيه على الفور وهكذا ولدت "عدي النهار" التي وزعها الراحل عبدالحليم نويرة"، واعتبرها الأغنية الوحيدة التي اعترفت بالنكسة أو الهزيمة في بلادنا. وكان يحلم بأن يخرج ينشدها علي أكتاف الشباب مرتديا جلبابه الأبيض والشباب يرددها معه في ميدان التحرير.
ذكري خاصة
وغني أيضا عبد الحليم أغنية "أحلف بسمائها وبترابها" الذي لحنها كمال الطويل، و في مبني الإذاعة تحت دوي القنابل في يونيو وكانت الكلمات وليدة اللحظة والانفعال بما حدث بعد النكسة، وأقسم عبد الحليم أن يغني هذه الأغنية في كل حفلاته وفي أي مكان في العالم قبل أن يبدأ أي أغنية جديدة في أي حفل ولم يتوقف عن ترديدها حتى قام الجيش المصري بتحرير الأرض وحدوث العبور في عام 73 وبعدا بدأ يغني أغنية جديدة اسمها عاش اللي قال.
أما حكاية أغنية "صباح الخير يا سينا" فلها ذكري خاصة عند الابنودي حيث تعتبر أخر لقاء جمعهما ، ويحكي الابنودي قائلا : حين حدثت حرب أكتوبر كنت وقتها أقيم بين انجلتر وتونس وكنت وقتها أجمع السيرة الهلالية وقد فوجئت عام 1974 بتليفون ولم يكن أحد يعرف تليفوني في لندن وفوجئت باتصال من عبد الحليم يسألني كيف نغني للهزيمة ولا نغني للنصر؟ وبعدين ما يصحش تكتب للهزيمة وغيرك يكتب للنصر لازم ترجع مصر تاني، وعدت بالفعل وكتبت له أغنية "صباح الخير يا سينا" وكان مجهدا جدا لدرجة انه بعد الانتهاء من تسجيلها خرج من الاستديو وقال لي سامحني يا عبد الرحمن أنا غنيت الغنوة وأنا مرهق قلت له : والله ياريت تغني لي دايما وانت تعبان لان صوتك اكتر انسانية و اكثر تعبيرا وكانت هذه المرة اخر لقاء جمعني بعبد الحليم لأنه سافر إلي لندن ولم اره مرة اخري.